فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا خلاف في ذلك والله أعلم.
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو إذ جاءه قَهرمان له فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال لا.
قال: فانطلق فأعطِهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمرء إثْمًا أن يَحْبِس عمّن يَملُك قُوتَهم».
الخامسة عشرة ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ضرب عبده حَدًّا لم يأته أو لطمه فكفّارتُه أن يعتقه» ومعناه أن يضربه قدر الحدّ ولم يكن عليه حدّ.
وجاء عن نفر من الصحابة أنهم اقتصوا للخادم من الولد في الضرب واعتقوا الخادم لمّا لم يرد القِصاص.
وقال عليه السلام: «من قذف مملوكه بالزنى أقام عليه الحدّ يوم القيامة ثمانين» وقال عليه السلام: «لا يدخل الجنة سَيِّء المَلَكة».
وقال عليه السلام: «سُوءُ الخُلُق شُؤمٌ وحسن المَلَكة نماء وصِلة الرَّحِم تزيد في العمر والصدقة تدفع مَيْتة السّوء».
السادسة عشرة واختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحرّ أو العبد؛ فروى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للعبد المملوك المُصلح أجران» والذي نفسُ أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحجّ وبِرّ أمِّي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.
ورُوي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ العبد إذا نصح لسيّده وأحسن عبادة الله فله أجره مرّتين» فاستدل بهذا وما كان مثله من فضّل العبد؛ لأنه مخاطب من جهتين: مطالب بعبادة الله، مطالب بخدمة سيده.
وإلى هذا ذهب أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمَرِي وأبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العامري البَغدادي الحافظ.
استدّل من فضل الحرّ بأن قال: الاستقلال بأمور الدِّين والدّنيا إنما يحصل بالأحرار والعبدُ كالمفقود لعدم استقلاله، وكالآلة المصرّفة بالقهر، وكالبهيمة المسخَّرة بالجبر؛ ولذلك سلب مناصب الشهادات ومعظم الوَلايات، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار إشعارًا بخسة المقدار، والحرّ وإن طولب من جهة واحدة فوظائفه فيها أكثر، وعناؤه أعظم فثوابه أكثر،.
وقد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله: لولا الجهاد والحج، أي لولا النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه الأمور. والله أعلم.
روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه وما زال يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرّم طلاقهنّ، وما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم مدّة إذا انتَهْوا إليها عَتَقُوا، وما زال يوصيني بالسِّواك حتى خشيت أن يحْفي فمي ورُوي حتى كاد وما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خِيار أمتي لا ينامون ليلًا» ذكره أبو الليث السَّمَرْقَنْدي في تفسيره. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

المختال ذو الخيلاء والكبر.
قال ابن عباس: يريد بالمختال العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق أحد.
قال الزجاج: وإنما ذكر الاختيال ههنا، وذكرنا اشتقاق هذه اللفظة عند قوله: {والخيل المسومة} [آل عمران: 14] ومعنى الفخر التطاول، والفخور الذي يعدد مناقبه كبرا وتطاولا.
قال ابن عباس: هو الذي يفخر على عباد الله بما أعطاه الله من أنواع نعمه، وإنما خص الله تعالى هذين الوصفين بالذم في هذا الموضع، لأن المختال هو المتكبر، وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق، ثم أضاف إليه ذم الفخور لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة، بل لمحض أمر الله تعالى..

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ} أي لا يرضى.
{مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته؛ أي لا يُظهر عليه آثار نِعَمه في الآخرة.
وفي هذا ضرب من التَّوعُّد.
والمختال ذو الخُيَلاء أي الكبر.
والفخور؛ الذي يعدّد مناقبه كِبْرًا.
والفخر: البَذَخ والتطاول.
وخصّ هاتين الصفتين بالذكر هنا لأنهما تحملان صاحبيهما على الأنفَة من القريب الفقير والجارِ الفقير وغيرهم ممن ذُكِر في الآية فيضيع أمر الله بالإحسان إليهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا} تذييل لجملة الأمر بالإحسان إلى من سمّاهم بذمّ موانع الإحسان إليهم الغالبة على البشر.
والاختيال: التكبّر، افتعال مشتقّ من الخُيَلاء، يقال: خالَ الرجلُ خَوْلا وخَالا.
والفخور: الشديد الفخر بما فعل، وكلا الوصفين منشأ للغلظة والجفاء، فهما ينافيان الإحسان المأمور به، لأنّ المراد الإحسان في المعاملة وترك الترفّع على من يظنّ به سبب يمنعه من الانتقام.
ومعنى نفي محبّة الله تعالى نفي رضاه وتقريبه عمّن هذا وصفه، وهذا تعريض بأخلاق أهل الشرك، لما عرفوا به من الغلطة والجفاء، فهو في معنى التحذير من بَقايا الأخلاق التي كانوا عليها. اهـ.

.قال الألوسي:

أخرج الطبراني وابن مردويه عن ثابت بن قيس بن شماس قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية {إِنَّ الله} إلخ فذكر الكبر وعظمه فبكى ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله إني لأحب الجمال حتى إنه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي قال: فأنت من أهل الجنة إنه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك ورحلك ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس». والأخبار في هذا الباب كثيرة. اهـ.

.قال الصابوني:

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}
[4] وسائل معالجة الشقاق بين الزوجين:

.التحليل اللفظي:

{قوامون}: قوّام: صيغة مبالغة من القيام على الأمر بمعنى حفظه ورعايته، فالرجل قوام على امرأته كما يقوم الوالي على رعيته بالأمر والنهي، والحفظ والصيانة.
{قانتات}: أصل القنوت دوام الطاعة، ومنه القنوت في الصلاة والمراد أنهن مطيعات لله ولأزواجهن.
{نُشُوزَهُنَّ}: عصيانهن وترفعهن عن طاعتكم، وأصل النشز المكان المرتفع ومنه تلّ ناشز أي مرتفع.
قال في [اللسان]: النشوز يكون بين الزوجين، وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه، واشتقاقه من النَشَز وهو ما ارتفع من الأرض، ونشز الرجل إذا كان قاعدًا فنهض قائمًا ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ} [المجادلة: 11].
{فَعِظُوهُنَّ}: أي ذكّروهن بما أوجب الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة للأزواج.
{المضاجع}: المراد بهجر المضاجع هجر الفراش والمضاجعة.
قال ابن عباس: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها. وقيل: أن يعزل فراشه عن فراشها.
{شِقَاقَ}: الشقاق: الخلاف والعداوة وهو مأخوذ من الشق بمعنى الجانب، لأن كلًا من المتخالفين يكون في شق غير شق الآخر بسبب العداوة والمباينة.
{حَكَمًا}: الحكم من له حق الحكم والفصل بين الخصمين المتنازعين.
{والجار الجنب}: الجار البعيد أو الذي ليس له قرابة تربطه بجاره وأصله من الجنابة ضد القرابة.
{والصاحب بالجنب}: هو الرفيق في السفر، أو طلب العلم، أو الشريك وقيل: هي الزوجة.
{مُخْتَالًا فَخُورًا}: قال ابن عباس: المختال البطر في مشيته، والفخور المفتخر على الناس بكبره.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: الرجال لهم درجة الرياسة على النساء، بسبب ما منحهم الله من العقل والتدبير، وخصّهم به من الكسب والإنفاق، فهم يقومون على شؤون النساء كما يقوم الولاة على الرعايا بالحفظ والرعاية وتدبير الشؤون. ثمّ فصّل تعالى حال النساء تحت رياسة الرجل، وذكر أنهن قسمان: قسم صالحات مطيعات، وقسم عاصيات متمردات، فالنساء الصالحات مطيعات للأزواج، حافظات لأوامر الله، قائمات بما عليهن من حقوق، يحفظن أنفسهن عن الفاحشة، وأموال أزواجهن عن التبذير في غيبة الرجال، فهنّ عفيفات، أمينات، فاضلات.
وأما القسم الثاني وهنّ النساء الناشزات المتمردات المترفعات على أزواجهن، اللواتي يتكبرن ويتعالين عن طاعة الأزواج، فعليكم أيها الرجال أن تسلكوا معهن طريق النصح والإرشاد، فإن لم يجد الوعظ والتذكير فعليكم بهجرهن في الفراش مع الإعراض والصد، فلا تكلموهن ولا تقربوهن، فإذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضربًا غير مبّرح، ضربًا رفيقًا يؤلم ولا يؤذي، فإن أطعنكم فلا تلتمسوا طريقًا لإيذائهن، فإن الله تعالى العلي الكبير أعلى منكم وأكبر، وهو وليهن ينتقم ممن ظلمهم وبغى عليهن.
ثمّ بيّن تعالى حالةً أخرى، وهي ما إذا كان النفور لا من الزوجة فحسب بل من الزوجين، فأمر بإرسال (حكمين) عدلين، واحد من أقربائها والثاني من أقرباء الزوج، ليجتمعا وينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه المصلحة، إن رأيا التوفيق وفّقا، وإن رأيا التفريق فرّقا، فإذا كانت النوايا صحيحة، والقلوب ناصحة بورك في وساطتهما، وأوقع الله بطيب نفسهما وحسن سعيهما الوفاق والألفة بين الزوجين، وما شرعه الله إنما جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه من حكيم خبير.
ثم ختم تعالى هذه الآيات بوجوب عبادته تعالى وعدم الإشراك به، وبالإحسان إلى الوالدين، وإلى الأقرباء واليتامى والمساكين، ومن له حق الجوار من الأقارب والأباعد.

.سبب النزول:

نزلت الآية الكريمة في (سعد بن الربيع) مع امرأته (حبيبة بنت زيد) وكان سعد من النقباء وهما من الأنصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتقتصّ من زوجها» فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا هذا جبريل أتاني وأنزل الله: {الرجال قوامون عَلَى النساء} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أردنا أمرًا، وأراد الله أمرًا، والذي أراد الله خير» ورفع القصاص.